تجربتي مع تشتت الانتباه بدأت مع الاجابة عن هذة الاسئلة،هل تشعر أحيانا بأنك لا تستطيع التركيز على شيء واحد لفترة طويلة؟ هل تنسى الأشياء بسهولة أو تضيع في تفاصيل غير مهمة؟ هل تجد صعوبة في إنجاز مهامك أو تنظيم وقتك؟
إذا كانت إجابتك نعم، فقد تعاني من ما يسمى بتشتت الانتباه. تشتت الانتباه هو حالة تؤثر على قدرة الشخص على التركيز والانتباه والتحكم في الاندفاعات. يمكن أن يسبب مشاكل في الدراسة والعمل والحياة الاجتماعية والعاطفية.
مرض تشتت الانتباه
يعتقد البعض أن تشتت الانتباه هو مرض يصيب الأطفال فقط، لكن الحقيقة أنه يمكن أن يستمر إلى مرحلة البلوغ وحتى الشيخوخة، أنا واحد من الأشخاص الذين يعانون من تشتت الانتباه منذ طفولتي.
لم أكن أدرك ذلك حتى بلغت سن العشرين، عندما ذهبت إلى طبيب نفسي بناء على نصيحة صديقتي. كانت تلاحظ أنني أتصرف بطريقة غريبة ومزعجة في بعض الأحيان. كنت أقاطعها في الحديث، أو أتنقل من موضوع إلى آخر بدون سبب، أو أفقد اهتمامي بسرعة. كنت أعتقد أنني مجرد شخص مرح وحيوي، لكنها أخبرتني أن هذا ليس طبيعيا أو مقبولا اجتماعيا. في البداية، لم أصدقها ورفضت الذهاب إلى الطبيب.
لكن بعد أن تراكمت علي الأعمال المؤجلة والامتحانات الفاشلة والمشاكل مع الأهل والأصدقاء، قررت أن أجرب وهنا بدأت تجربتي مع تشتت الانتباه،بعد إجراء بعض الاختبارات والمقابلات، أخبرني الطبيب أنني أعاني من اضطراب نقص الانتباه وفرط النشاط (ADHD)، وهو نوع من تشتت الانتباه.
قال لي أن هذا الاضطراب ليس عيبا أو ضعفا، بل اختلافا في عمل الدماغ. قال لي أيضا أن هناك علاجات متاحة للتخفيف من الأعراض وتحسين جودة حياتي. منذ ذلك الحين، بدأت تجربتي مع تشتت الانتباه وكيف تغلبت عليه. في هذا المقال، سأشارك معكم بعض تجاربي ونصائحي ومصادري التي ساعدتني على التعامل مع هذا التحدي. أتمنى أن تجدوا فيها فائدة وإلهاما.
تجارب الأمهات مع تشتت الانتباه
أول شيء أريد أن أقوله من خلال تجربتي مع تشتت الانتباه هو أنني لست وحدي في هذا الصراع، هناك الكثير من الناس الذين يعانون من تشتت الانتباه، وبينهم الكثير من الأمهات. نعم، الأمهات، تلك الكائنات العظيمة التي تقوم بكل شيء من تربية الأطفال إلى إدارة المنزل إلى العمل والدراسة والتطوير الشخصي.
كيف يمكن لهن أن يفعلن كل هذا وهن يعانين من تشتت الانتباه؟ الجواب هو أنه ليس سهلا حيث انه الأمهات المصابات بتشتت الانتباه تواجه تحديات إضافية في حياتهن اليومية. فهن يجدن صعوبة في تنظيم وقتهن ومواردهن وأولوياتهن و يمكن أن ينسين مواعيدهن أو مهلاتهن أو مسؤولياتهن و يمكن أن يشعرن بالإرهاق والضغط والذنب والاحباط كما يمكن أن يتعرضن للانتقاد أو السخرية أو الاستهزاء من قبل الآخرين كما يمكن أن يفقدن الثقة بأنفسهن أو الرضا عن حياتهن.
و لكن هذا لا يعني أنه لا يوجد أمل، بل على العكس، هناك الكثير من الأمهات اللواتي استطعن التغلب على تشتت الانتباه والنجاح في مجالاتهن. هناك الكثير من الأمثلة والقصص والشهادات التي تثبت ذلك وأنا شخصيا استفدت كثيرا من قراءة ومشاركة تجربتي مع تشتت الانتباه.
حالات شفيت من تشتت الانتباه
أحد هؤلاء الذين شفيت حالاتهم من خلال تجربتي مع تشتت الانتباه هو الدكتور ندى العربي، استاذة الطب النفسي في جامعة القاهرة ومؤلفة كتاب “تشتت الانتباه: الأسباب والعلاجات والتغلب عليه”. في هذا الكتاب، تروي الدكتورة ندى قصتها الشخصية مع تشتت الانتباه، وكيف تمكنت من التغلب عليه بعد سنوات من المعاناة والفشل. تقول الدكتورة ندى أنها استخدمت مجموعة من العلاجات الدوائية والنفسية والبديلة، بالإضافة إلى تغيير نمط حياتها وعقليتها.
تقول أيضا أنها استفادت من دعم عائلتها وأصدقائها وزملائها وطلابها. تنصح الدكتورة ندى كل من يعاني من تشتت الانتباه بأن يبحث عن المساعدة المناسبة وأن يثق بقدراته وأن يحب نفسه.
تمارين لعلاج تشتت الانتباه
إذا كنت تبحثين عن بعض التمارين البسيطة والمفيدة لعلاج تشتت الانتباه، فأنا أقدم لك هذه القائمة التي جربتها بنفسي اثناء تجربتي مع تشتت الانتباه ووجدتها فعالة:
التنفس العميق:
من خلال تجربتي مع تشتت الانتباه علمت ان هذا التمرين يساعد على تهدئة الجهاز العصبي وزيادة التركيز والاسترخاء. كل ما عليك فعله هو الجلوس بوضع مريح والتنفس ببطء وعمق من خلال الأنف والفم. حاولي أن تجعلي كل نفس أطول من السابق. أحسبي إلى عشرة أو عشرين أو ثلاثين، حسب ما تشعرين به من راحة. كرري هذه التمرين مرتين أو ثلاث مرات في اليوم، أو عندما تشعرين بالتوتر أو الضيق.
العقلية الواعية:
هذه التمرين يساعد على تحسين الانتباه والوعي والذاكرة والتعلم. كل ما عليك فعله هو الانتباه إلى ما يحدث في اللحظة الحالية، بدون أن تحكمي أو تفكري في الماضي أو المستقبل. يمكنك الانتباه إلى أي شيء، مثل أحاسيسك أو مشاعرك أو أفكارك أو أصواتك أو رؤيتك أو شمك أو ذوقك أو لمسك. حاولي أن تكوني حاضرة ومنفتحة ومتقبلة لكل ما يحدث، من خلال تجربتي مع تشتت الانتباه فقط كرري هذه التمرين كل يوم لمدة عشر دقائق أو أكثر، أو عندما تشعرين بالملل أو الضجر.
الرياضة البدنية:
هذه التمرين يساعد على تحسين الصحة الجسدية والنفسية والاجتماعية، كل ما عليك فعله هو ممارسة أي نوع من الرياضة التي تحبينها وتناسبك، مثل المشي أو الجري أو السباحة أو الرقص أو الدراجة أو اليوغا أو الكاراتيه أو الكرة أو الجمباز أو غيرها. حاولي أن تمارسي الرياضة بانتظام، مرتين أو ثلاث مرات في الأسبوع، لمدة نصف ساعة أو ساعة من خلال تجربتي مع تشتت الانتباه علمت انه يمكنك الرياضة وحدك أو مع صديق أو مجموعة، الأهم أن تستمتعي وتتحركي هذا ما عرفته اثناء تجربتي مع تشتت الانتباه.
البرنامج العملي:
هذه التمرين يساعد على تنظيم وقتك ومواردك وأولوياتك. كل ما عليك فعله هو إعداد جدول أو خطة أو قائمة لمهامك وأهدافك اليومية والأسبوعية والشهرية والسنوية، حاولي أن تكوني واقعية ومرنة ومتوازنة في تقسيم وتنفيذ مهامك.
حاولي أن تضعي أهدافا محددة ومقياسة وممكنة ومرتبطة بالزمن ومهمة، استخدمي أدوات مثل التقويم أو المنبه أو المذكرة أو التطبيقات لمساعدتك على التذكير والمتابعة والتقييم. احتفلي بإنجازاتك وتعلمي من أخطائك، هذا ساعدني كثيرا خلال تجربتي مع تشتت الانتباه.
برنامج عملي لعلاج تشتت الانتباه وضعف التركيز عند الأطفال
إذا كنت أما لطفل يعاني من تشتت الانتباه وضعف التركيز، فأنا أفهم ما تمرين به من خلال تجربتي مع تشتت الانتباه فأنا كنت طفلا مثله، وأعرف كم هو صعب التعامل مع هذه الحالة في مرحلة النمو والتعلم. لكن لا تقلقي، فهناك الكثير من الأشياء التي يمكنك فعلها لمساعدة طفلك على التغلب على تشتت الانتباه وتحسين تركيزه. هذا هو برنامج عملي اقترحه عليك، وهو مبني على خبرتي الشخصية و تجربتي مع تشتت الانتباه وبعض الأبحاث العلمية:
الخطوة الأولى:
من خلال تجربتي مع تشتت الانتباه ادركت انه التشخيص الدقيق هام جدا، قبل أن تبدئي في أي علاج، عليك التأكد من أن طفلك يعاني فعلا من تشتت الانتباه وليس من شيء آخر. فقد يكون سلوك طفلك ناجما عن حالات صحية أو نفسية أو تربوية أو اجتماعية أخرى. لذلك، عليك استشارة طبيب أو مختص مؤهل لتقييم حالة طفلك وتشخيصها بشكل صحيح. كما عليك التعرف على نقاط القوة والضعف لدى طفلك، وما يحفزه وما يثيره وما يزعجه.
الخطوة الثانية:
العلاج الدوائي، بعد التشخيص الدقيق من خلال تجربتي مع تشتت الانتباه علمت انه قد ينصحك الطبيب بإعطاء طفلك بعض الأدوية التي تساعد على تنظيم عمل الدماغ وتحسين الانتباه والتركيز والتحكم في الاندفاعات. هذه الأدوية قد تكون فعالة لبعض الأطفال، لكنها قد تسبب أيضا بعض الآثار الجانبية أو التفاعلات السلبية، لذلك، عليك متابعة حالة طفلك بانتظام والتواصل مع الطبيب لضبط الجرعة أو تغيير الدواء أو إيقافه حسب الحاجة كما فعلت في مركز بيت الشفا للطب النفسي وعلاج الادمان اثناء تجربتي مع تشتت الانتباه.
الخطوة الثالثة:
العلاج النفسي. بالإضافة إلى العلاج الدوائي، قد ينصحك الطبيب أو المختص بإجراء بعض الجلسات النفسية لطفلك ولك أنت أيضا. هذه الجلسات تهدف إلى تعليم طفلك بعض المهارات والاستراتيجيات التي تساعده على التعامل مع تشتت الانتباه وتحسين أدائه في الدراسة واللعب والحياة. كما تهدف إلى تعزيز ثقة طفلك بنفسه وتقبله لذاته وتحفيزه على تحقيق أهدافه. بالنسبة لك أنت، تهدف هذه الجلسات إلى توجيهك ودعمك في كيفية تربية طفلك وفهمه ومساعدته وتشجيعه.
الخطوة الرابعة:
العلاج البديل. بالإضافة إلى العلاج الدوائي والنفسي، قد تجدين بعض العلاجات البديلة التي تساعد على علاج تشتت الانتباه وضعف التركيز عند الأطفال. هذه العلاجات تعتمد على الطب الطبيعي أو الشعبي أو الروحي أو الحكمي.
مثل الأعشاب أو الزيوت أو الأغذية أو الفيتامينات أو الحجامة أو الرقية أو القرآن أو الأذكار أو الدعاء أو الصدقة أو غيرها. لكن عليك الحذر من بعض العلاجات البديلة التي قد تكون غير مجربة أو غير مثبتة أو غير آمنة. لذلك، عليك استشارة طبيبك أو مختصك قبل تجربة أي علاج بديل، والتأكد من مصدره وجودته وكميته وطريقة استخدامه.
15 وسيلة لعلاج تشتت الانتباه عند الأطفال
في الختام، أود أن أقدم لك هذه القائمة المختصرة من 15 وسيلة بسيطة ومفيدة لعلاج تشتت الانتباه عند الأطفال، هذه الوسائل مستوحاة من تجربتي مع تشتت الانتباه وبعض الأبحاث العلمية والمصادر الموثوقة. أتمنى أن تجربيها مع طفلك وترين الفرق:
- احتضني طفلك وقولي له أنك تحبينه وتفتخرين به وتثقين به.
- اسمعي إلى طفلك وتحدثي معه بلطف وصبر واحترام.
- اشرحي لطفلك ما هو تشتت الانتباه كي يفهمه ويتعامل معه بشكل إيجابي.
- اختاري لطفلك مدرسة أو حضانة أو معلمة تتمتع بالخبرة والمهارة والتفهم في التعامل مع الأطفال المصابين بتشتت الانتباه.
- احرصي على توفير بيئة هادئة ومريحة ومنظمة لطفلك في المنزل وفي غرفة نومه وفي مكان دراسته.
- اضبطي وقت النوم والاستيقاظ والوجبات والأنشطة لطفلك، والتزمي به بقدر الإمكان.
- احرصي على إطعام طفلك غذاء صحي ومتوازن ومنوع، وتجنبي الأغذية الضارة أو المحفزة أو المسببة للحساسية.
- اشربي طفلك كمية كافية من الماء والعصائر الطبيعية، وتجنبي المشروبات الغازية أو السكرية أو الكافيينية.
- اشجعي طفلك على ممارسة الرياضة أو اللعب الحركي أو الهوايات الإبداعية أو الفنية، واشتركي معه في بعضها.
- احرصي على تعريض طفلك للشمس والهواء النقي والطبيعة، واصطحبيه في رحلات أو نزهات أو مخيمات.
- احرصي على توفير فرص تعليمية وترفيهية وثقافية ودينية لطفلك، واختاري له الكتب والألعاب والبرامج والتطبيقات المناسبة لعمره ومستواه واهتمامه.
- احرصي على تقوية الروابط الأسرية والاجتماعية لطفلك، واختاري له الأصدقاء والمجموعات والأندية المناسبة لشخصيته وقيمه.
- احرصي على تعليم طفلك بعض المهارات الحياتية والسلوكية والعقلية، مثل الانضباط والمسؤولية والاحترام والتعاون والتفكير النقدي والحل المشكلات.
- احرصي على تشجيع طفلك ومدحه ومكافأته على جهوده وإنجازاته وتحسنه، واعطيه الثقة والدعم والتحفيز.
- احرصي على تصحيح طفلك ونصحه وتوجيهه بحكمة ورحمة وعدل، وتجنبي العقاب الجسدي أو اللفظي أو العاطفي.
- احرصي على الاستماع إلى شكاوى طفلك ومشاعره وأفكاره، وتفهميه وتقبليه وتحترميه.
- احرصي على الصبر والتفاؤل والاستغفار والدعاء لطفلك، وتذكري أن الله يحبه ويرحمه ويعينه.
- احرصي على الاستعانة بالله وبالناس، وتذكري أنك لست وحدك في هذا الصراع، وأن هناك الكثير من الأمهات والأطفال الذين يعانون مثلك ويتغلبون مثلك.
خلاصة تجربتي مع تشتت الانتباه
أخيرا، أود أن أقول لك أن تشتت الانتباه ليس نهاية العالم، بل هو تحدي يمكن التغلب عليه بالإيمان والعلم والعمل فلا تيأسي ولا تستسلمي، بل ابتسمي واجتهدي واستمتعي بحياتك وحياة طفلك فأنت أم عظيمة وطفلك هبة رائعة من الله. والله ولي التوفيق.