أثر الإدمان على الدماغ

 أثر الإدمان على الدماغ

تعرف على أثر الإدمان على الدماغ، وتأثير الأنواع المختلفة من المواد المخدرة على النواقل العصبية في الدماغ، وعلاج الضرر الناتج عن الإدمان.

يؤدي التعرض المزمن للمخدرات إلى تغيرات كبيرة في الناقلات العصبية للدماغ، مما يؤثر سلبياً على 14 نوع من الناقلات العصبية مثل الدوبامين والنورأدرينالين وغيره، تخل هذه التغيرات بالتوازن الطبيعي لوظائف الدوائر العصبية في المناطق الرئيسية في الدماغ مما يؤدي إلي شعور متزايد بالنشوة خلال تعاطي المخدرات، مما يعزز سلوك البحث عن المخدرات. ومع مرور الوقت تعمل هذه التكيفات العصبية على تقليل حساسية الدماغ تجاه السلوك الطبيعي، وزيادة خطر الانتكاس، مما يجعل من الصعب على الفرد الحصول على المتعة من أى شئ آخر غير المخدرات. ومن المهم إدراك أثر الإدمان على الدماغ، كما يظهر أثر الإدمان على العلاقات الشخصية من خلال فقدان الثقة والتواصل السليم مع الآخرين، فضلاً عن أثره على الأداء الدراسي أو المهني نتيجة لتراجع التركيز والاهتمام.

سنناقش في هذه المقالة ما يلي:

ما هو الإدمان؟

الإدمان بشكل عام عبارة عن حالة قهرية تدفع الشخص إلى البحث عن مادة أو سلوك معين وتكراره، على الرغم من العواقب السلبية والضارة التي تنجم عنه. كما يتسم الإدمان بفقدان الشخص السيطرة على السلوكيات الخاطئة، مع وجود الرغبة الشديدة بها، وظهور أعراض الانسحاب عند التوقف أو التقليل.

كما أفادت منظمة الصحة العالمية بأن الأدمان نمط من تعاطي الشخص المواد المخدرة التي تؤدي إلى فقدان السيطرة، والاستمرار في التعاطي رغم العواقب السلبية.

ما هو أثر الإدمان على الدماغ؟

الإدمان ليس مجرد مشكلة سلوكية، ولكن هو حالة مرضية مزمنة تؤثر بشكل كبير على الجسم بأكمله خصوصا المخ. تؤثر المواد المخدرة على ثلاث مناطق رئيسية في الدماغ: جذع الدماغ، الجهاز الحوفي، القشرة المخية. عندما تدخل المواد المخدرة إلى الدماغ فإنها تتداخل مع معالجته الطبيعية، وقد تؤدي في النهاية إلى تغييرات جذرية في الخلايا العصبية. قد تستمر هذه التغييرات حتى بعد التوقف عن تعاطي المخدرات. ويظهر أثر الإدمان على الدماغ بشكل واضح، حيث يؤدي إلى تغيّرات في كيمياء الدماغ ووظائفه الطبيعية، خاصة في مناطق التحكم بالسلوك، واتخاذ القرار، والشعور بالمكافأة. ومع الوقت، يُضعف الإدمان القدرة على التركيز والانتباه، ويزيد من القابلية للإصابة بالاكتئاب، القلق، واضطرابات المزاج.

هناك عدة طرق تعمل بها الأدوية المخدرة على الدماغ وتتمثل في الآتي:

  • تحاكي الرسائل الكيميائية في الدماغ.
  • تحفز بشكل مفرط دائرة المكافاة في الدماغ.
  • تسيطر المخدرات على دائرة المكافأة لمشاعر المتعة بإفراز الدوبامين، مما يؤدي إلى تدفق كميات كبيرة من الدوبامين وهو مايسبب الشعور بالنشوة، أو الإثارة الشديدة والسعادة المرتبطة بتعاطي المخدرات.

كيف تؤثر أنواع مختلفة من المخدرات على دماغك؟

تؤثر كل نوع من المخدرات على الدماغ بشكل مختلف، كالتالي:

1- المنشطات

الأدوية التي تزيد من طاقة الجسم، مثل الكافيين والأمفيتامينات، تُنشّط نشاط نواقل عصبية مُحددة مثل الدوبامين والنور إيفيدرين. هذا يُحسّن التركيز واليقظة والطاقة ومعدل ضربات القلب والمزاج. كما تُزيد المُنشّطات من معدل ضربات القلب ومعدل التنفس وضغط الدم.

2- المهدئات

تعمل المهدئات على زيادة نشاط الناقل العصبي  GABA في الدماغ، مما يؤدي إلى تأثير مهدئ. مما يعزز الشعور بالاسترخا والهدوء والنعاس وتقليل القلق.

3-المهلوسات

هناك نوع من المواد المخدرة يعرف بالعقاقير المهلوسة، تعمل على تشوهات في الإدراك والرؤية، تعمل هذه العقاقير بالتفاعل مع مستقبلات السيروتونين في مناطق مختلفة من الدماغ، بما في ذلك تلك المرتبطة بالإدراك والمزاج والفكر.

3- الكوكايين

الكوكايين منبه شائع يسبب الإدمان بشدة، إذ يمنع امتصاص الدوبامين، مما يُنتج شعورًا قصير الأمد وقويًا بالنشوة والطاقة وزيادة اليقظة. كما يُمكن أن يُسبب القلق والارتياب والأرق، مع عدم القدرة على الهدوء والنوم. يُسبب هذا المخدر تدفقًا هائلًا من الدوبامين في الدماغ، وعند تناوله لفترة طويلة، يُمكن أن يُقلل من قدرته الطبيعية على إنتاجه، وهذا ما يُسبب إدمانًا على تجديد هذا الشعور.

4- الهيروين

الهيروين، المُصنَّف كمُثبِّط، هو مادة أفيونية تتحول إلى مورفين في الجسم، و ترتبط بمستقبلات الأفيونات في نظام المكافأة بالدماغ. مما يولد شعور قويا بالنشوة والاسترخاء والمتعة. يولِد تنشيط الأفيونات في الدماغ إشارة مكافأة قوية، مما يؤدي إلى الرغبة الشديدة في تعاطي المخدر والاعتماد عليه. كما يعطِل النواقل العصبية الأخرى، مثل إدراك الألم والتنفس وتنظيم المزاج.

5- الميثامفيتامين

الميثامفيتامين، وهو منشط، مادة شديدة الإدمان، إذ يزيد من إفراز الدوبامين والنورأدرينالين ويمنع امتصاصهما، مما يخلق شعورًا قويًا بالنشوة والتركيز واليقظة في الجسم مع زيادة الطاقة.  يؤدي ارتفاع مستويات الدوبامين والنورأدرينالين إلى الشعور بالمتعة واليقظة والتركيز، ويعطل نظام المكافأة الطبيعي، مما قد يؤدي إلى تلف خلايا الدوبامين العصبية وإضعاف الوظيفة الإدراكية.

6- الكحول

 يؤثر بشكل رئيسي على الناقل العصبي GABA في الدماغ، مُسبِّبًا شعورًا بالاسترخاء، وتحررًا من القيود، واختلالًا في تقدير الذات. وعند تناوله بكميات كبيرة، يُسبِّب تلعثمًا في الكلام، وفقدانًا في التنسيق، وحتى فقدانًا للوعي. لا يقتصر تأثير الكحول على الدماغ فحسب، بل يُؤثِّر سلبًا على الكبد والكلي وأعضاء أخرى. يُعزِّز الكحول مستوى GABA في الدماغ، مما يُولِّد المزيد من الاسترخاء والشعور بالمتعة، ولكنه يُعطِّل أيضًا التواصل بين مناطق الدماغ، مما قد يؤثر على التوازن والتنسيق، والقدرة على تقدير الذات، والذاكرة. يمكن أن يُؤدِّي تعاطي الكحول المزمن إلى إتلاف خلايا الدماغ، بل ويُقلِّص حجمه.

7- الحشيش

 يؤثر الحشيش على منطقة الحصين في الدماغ، وهي منطقة حيوية للذاكرة قصيرة المدى والتعلم. يمكن أن يؤدي تعاطي الحشيش إلى صعوبة في تكوين ذكريات جديدة واسترجاع الذكريات القديمة، بالإضافة إلى صعوبة التركيز والانتباه. كما يؤثر على قشرة الفص الجبهي، وهي المنطقة المسؤولة عن التفكير المنطقي واتخاذ القرارات والتحكم في الانفعالات. يمكن أن يؤدي إلى ضعف في القدرة على التفكير بوضوح واتخاذ قرارات سليمة.

أثر الإدمان على الدماغ على المدى الطويل:

  • تلف دائم في الدماغ: في بعض الحالات، يمكن أن يؤدي الإدمان المزمن إلى تلف دائم في خلايا الدماغ.
  • اضطرابات عقلية: يزيد الإدمان من خطر الإصابة باضطرابات عقلية مثل الاكتئاب والقلق والذهان.
  • ضعف الوظائف المعرفية: يمكن أن يؤدي الإدمان إلى ضعف مستمر في الذاكرة والانتباه والوظائف التنفيذية.
  • زيادة خطر الانتكاس: التغيرات الدماغية الناجمة عن الإدمان تجعل من الصعب للغاية الحفاظ على التعافي وتزيد من خطر الانتكاس حتى بعد سنوات من الامتناع.

هل يمكن عكس أثر الإدمان على الدماغ؟ وهل يستعيد الدماغ عافيته بعد التعافي؟

في كثير من الحالات يمكن علاج أو تحسين الضرر الدماغي الناتج عن الإدمان، ولكن يعتمد على عدة عوامل، بما في ذلك:

  • نوع المادة المخدرة، حيث تسبب بعض أنواع المخدرات ضراراً أكثر من غيرها على خلايا الدماغ.
  • مدة وشدة الإدمان فكلما طالت فترة الإدمان وزادت شدته، زاد احتمال حدوث ضرر أكبر للدماغ.
  • العمر عند بدء الإدمان فعندما يكون الدماغ في مرحلة النمو والتطور بشكل خاص خلال فترة المراهقة والشباب، يكون الإدمان له تأثيرات طويلة الأمد على التطور العصبي. 
  • الصحة العامة للفرد حيث تلعب الصحة البدنية والعقلية العامة دورًا في قدرة الدماغ على التعافي.
  • التدخل المبكر والعلاج، كلما بدأ العلاج مبكرًا، زادت فرص التعافي وتحسين وظائف الدماغ.
  • قدرة الدماغ على التعافي الذاتي، الدماغ  يتمتع بقدرة مذهلة على إعادة تنظيم نفسه وتكوين روابط عصبية جديدة، هذه القدرة المعروفة بالمرونة العصبية، هي أساس التعافي من الضرر الدماغي الناتج عن الإدمان.

كيف يمكن علاج أو تحسين الضرر الدماغي الناتج عن الإدمان؟

  1. الامتناع عن المخدر
  2. إزالة السموم
  3. العلاج السلوكي المعرفي
  4. استخدام الأدوية للمساعدة في إدارة أعراض الانسحاب
  5. إعادة التأهيل العصبي
  6. نمط حياة صحي
  7. ممارسة اليقظة الذهنية والتأمل
  8. التعلم المستمر والأنشطة المحفزة للدماغ
  9. الدعم الاجتماعي من العائلة والأصدقاء

الخاتمة

لم يعد الإدمان ينظر إليه على أنه مجرد ضعف في الإرادة أو قرار خاطئ، بل هو حالة مرضية معقدة لها أثر بالغ على الدماغ.
فالمواد المسببة للإدمان تؤثر بشكل مباشر على نظام المكافأة في الدماغ، مما يؤدي إلى تعطيله واختطافه بطريقة تخلّ بتوازن الوظائف الدماغية الطبيعية.

ويظهر أثر الإدمان على الدماغ من خلال تغييرات هيكلية ووظيفية عميقة تشمل مناطق المسؤولية عن الذاكرة، والانتباه، واتخاذ القرار، وضبط الانفعالات، بل وقد تمتد التغييرات إلى التأثير على البنية العصبية للدماغ نفسه، مما يُصعّب على الشخص التوقف عن السلوك الإدماني حتى مع إدراكه لمخاطره.

المصادر

مصدر 1

مصدر 2

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *