تعرف على فقدان الذاكرة النفسي (الانفصالي): أنواعه، أسبابه الرئيسية، أعراضه المميزة، وطرق التشخيص والعلاج الحديثة. دليل شامل لفهم واستيعاب اضطراب الذاكرة الناتج عن عوامل نفسية. في هذه المقالة سنناقش التالي:
ما هو فقدان الذاكرة النفسي؟
فقدان الذاكرة النفسي أو ما يعرف فقدان الذاكرة الانفصالي عبارة عن اضطراب في الذاكرة، يتميز بعدم القدرة على تذكر معلومات شخصية هامة. غالباُ ما تكون أحداث مزعجة أو مرتبطة بالتوتر الشديد، يحدث فقدان الذاكرة النفسي عادة كرد فعل لأحداث مؤلمة لا يريد الشخص تذكرها. هذه الالة قابلة للعلاج، ويمكن لمعظم الناس استعادة ذكرياتهم.
ما هي آلية فقدان الذاكرة النفسي أو الانفعالي؟
فقدان الذاكرة الانفصالي هو آلية معقدة يعتقد أنها تنشأ كرد فعل نفسية للدماغ للتعامل مع أحداث صادمة أو ضغوط لا تطاق. بدلاً من أن يكون ناتجًا عن تلف عضوي في الدماغ، ينظر إليه على أنه خلل وظيفي في عمليات الذاكرة الطبيعية. إليك كيف يعتقد أنه يعمل:
1. آلية دفاعية نفسية:
يعتقد أن فقدان الذاكرة الانفصالي هو آلية دفاعية تسمح للشخص بفصل نفسه عن الذكريات والتجارب المؤلمة أو المهددة. يعمل الدماغ بشكل لا إرادي على حجب هذه الذكريات لحماية الوعي من الألم العاطفي الشديد. في حالة فقدان الذاكرة الانفصالي، يكون الإنفصال بشكل أساسي في مجال الذاكرة.
2. تأثير الإجهاد والصدمة على الدماغ:
التعرض لصدمة أو إجهاد شديد يمكن أن يؤدي إلى استجابة إجهاد مفرطة في الدماغ، تشمل إفراز هرمونات مثل الكورتيزول، تعمل المستويات العالية من الكورتيزول يمكن أن تؤثر سلبًا على منطقة الحُصين في الدماغ، وهي منطقة حيوية لتكوين واسترجاع الذكريات.
3. دور مناطق الدماغ:
تشير بعض النظريات إلى أن قشرة الفص الجبهي، المسؤولة عن الوظائف التنفيذية والتحكم في الذاكرة، قد تلعب دورًا في تثبيط استرجاع الذكريات المؤلمة في حالة فقدان الذاكرة الانفصالي. وقد أظهرت بعض الدراسات زيادة نشاط هذه المنطقة بالتزامن مع انخفاض نشاط مناطق الذاكرة مثل الحُصين.
ما هو أنواع فقدان الذاكرة النفسي؟
الشخص المصاب بفقدان الذاكرة النفسي يشعر بنوبات من فقدان الذاكرة والانفصال عن العالم، كما أنه يستمر في نسيان أشياء مهمة وضرورية في حياته.
قد تستمر هذه الحالة لفترات قصيرة، ساعات أو أيام، وفي بعض الحالات قد تصل لفترات طويلة.
يوجد عدة أنواع لفقدان الذاكرة النفسي، وتتمثل في:
1- فقدان الذاكرة الموضعي
يعاني الشخص من عدم القدرة على تذكر الأحداث التي وقعت خلال فترة زمنية محددة، غالباُ ما تكون مرتبطة بحادث صادم. قد يعاني الشخص المصاب بهذا النوع من فقدان الذاكرة من أكثر من نوبة فقدان للذاكرة.
2- فقدان الذاكرة الانتقائي
يعاني الشخص المصاب بفقدان جزء من الذاكرة خلال فترة معينة، ولكن ليس كلها. فمثلا قد ينسى الشخص أجزاء معينة من ادث صادم تعرض له، ولكنه لا ينساه كلياً.
3- فقدان الذاكرة المستمر
يعاني الشخص المصاب بعدم القدرة على تذكر الأحداث التي وقعت بعد نقطة زمنية معينة.
4- فقدان الذاكرة المعمم
ويحدث فيه فقدان كامل للذاكرة المتعلقة بهوية الشخص وتاريخ حياته، وهو نوع نادر الحدوث.
5- الهروب الانفصالي
يعتبر نوع نادر الحدوث من فقدان الذاكرة المعمم يصاحبه سفر أو تجول غير متوقع، حيث قد يتبنى الشخص هوية جديدة بشكل جزئي أو كامل.
ما هي أسباب فقدان الذاكرة النفسي؟
يرتبط فقدان الذاكرة النفسي بشكل أساسي بالتعرض لأحداث صادمة أو ضغوط نفسية شديدة. هناك الكثير من الأحداث المؤلمة التي قد تسبب اضطراب فقدان الذاكرة النفسي، مثل:
الحروب والكوارث الطبيعية والحوادث.
الاعتداء الجسدي أو الجنسي أو العاطفي.
التعرض لسوء المعاملة في الطفولة.
الضغوط الحياتية الشديدة والمستمرة.
أثبتت بعض الابحاث أن الدماغ يلجأ إلى آلية دفاعية تتمثل في فصل أو عزل الذكريات المؤلمة لحماية الشخص من الألم النفسي الشديد.
ما هي أعراض فقدان الذاكرة النفسي؟
تختلف أعراض فقدان الذاكرة النفسي تبعاً لنوع الاضطراب، ولكن بشكل عام تشمل الأعراض ما يلي:
عدم القدرة على تذكر معلومات شخصية هامة.
الشعور بالارتباك والضياع.
صعوبة تذكر التفاصيل المتعلقة بالحدث الصادم أو الفترة الزمنية المفقودة.
في حالات الشرود الانفصالي، قد يتبنى الشخص هوية جديدة وينسى ماضيه.
قد يعاني بعض الأشخاص من أعراض أخرى مثل الاكتئاب والقلق.
تشخيص فقدان الذاكرة النفسي:
يمكن لمقدم الرعاية الصحية تشخيص فقدان الذاكرة النفسي بناءً على الأعراض التي تصفها، وطرح أسئلة حول ما تتذكره وما لا تتذكره. كم يتم التشخيص من خلال تقييم شامل للتاريخ الطبي والنفسي للشخص، واستبعاد الأسباب العضوية لفقدان الذاكرة. لا توجد اختبارات محددة لتشخيص فقدان الذاكرة النفسي، ولكن قد يطلب الطبيب فحوصات لاستبعاد الحالات الطبية الأخرى.
كيف نعالج فقدان الذاكرة الناتج عن صدمة نفسية؟
يهدف العلاج بشكل أساسي على استعادة الذكريات المفقودة بطريقة آمنة، غالبا ما يكون العلاج عملية تدريجية ويتطلب صبرا والتزاما مع كل من المعالج والمريض. إليك أهم طرق العلاج:
1. العلاج النفسي ويشمل:
العلاج بالتنويم المغناطيسي
حيث يمكن استخدام التنويم المغناطيسي لمساعدة المريض على الوصول إلى الذكريات المكبوتة في حالة استرخاء عميق. يتم ذلك تحت إشراف معالج مؤهل لتجنب إحداث ذكريات كاذبة أو إعادة صدمة المريض بطريقة غير آمنة.
العلاج السلوكي المعرفي
وفيه يتم التركيز على تحديد وتغيير أنماط التفكير والسلوك السلبية المرتبطة بالصدمة وفقدان الذاكرة. يساعد المريض على تطوير آليات تكيف صحية والتعامل مع أي قلق أو اكتئاب مصاحب.
العلاج بالتعرض للصدمات ويتضمن هذا النوع من العلاج مواجهة تدريجية للذكريات والمشاعر المرتبطة بالصدمة في بيئة آمنة وداعمة. يساعد على تقليل الحساسية تجاه هذه الذكريات ومعالجتها بشكل صحي.
العلاج الديناميكي وفيه يستكشف الدوافع اللاواعية والصراعات النفسية التي قد تكون ساهمت في تطور فقدان الذاكرة كآلية دفاعية. يساعد على فهم أعمق للذات وتاريخها.
اعتبارات هامة في العلاج:
الخطوة الأولى في العلاج هي ضمان سلامة واستقرار المريض. قد يتضمن ذلك معالجة أي أفكار انتحارية أو سلوكيات مؤذية للذات.
العلاقة العلاجية القوية والمبنية على الثقة بين المعالج والمريض أمر بالغ الأهمية لنجاح العلاج.
الهدف النهائي هو مساعدة المريض على دمج الذكريات المفقودة في سير حياته بطريقة صحية، وفهم تأثير الصدمة دون أن تطغى على حياته الحالية.
يجب أن يركز العلاج أيضًا على تزويد المريض بمهارات التكيف اللازمة للتعامل مع الضغوط المستقبلية وتقليل خطر الانتكاس.
من الضروري أن يتم العلاج تحت إشراف متخصص في علاج الصدمات النفسية والاضطرابات الانفصالية لضمان تقديم الرعاية المناسبة والآمنة.
في الختام
فهم طبيعة فقدان الذاكرة النفسي وآليات عمله، بالإضافة إلى توفر طرق علاجية فعالة تركز على معالجة الصدمة واستعادة الذاكرة بطريقة آمنة وتدريجية، يمنح الأفراد القدرة على تجاوز هذه التجربة الصعبة واستعادة السيطرة على حياتهم وذكرياتهم. تتطلب رحلة التعافي صبرًا والتزامًا ودعمًا من أفراد الأسرة والمتخصصين، ولكن في نهاية المطاف، يمكن تحقيق الشفاء والوصول إلى حياة أكثر تكاملاً وصحة نفسية.
المصادر
مصدر 1
مصدر 2
.