اكتشف أسباب التقلبات المزاجية عند المراهقين من التغيرات الهرمونية وتطور الدماغ إلى الضغوط النفسية. تعرف متى يجب القلق ومتى يحتاج المراهق للدعم النفسي.
فترة المراهقة… مرحلة حاسمة ومليئة بالتغيرات، ليست فقط على الصعيد الجسدي، بل تمتد لتطال أعماق المشاعر والأحاسيس. غالباً ما نرى المراهق ينتقل بين الفرح والحزن، الحماس والملل، في تقلبات مزاجية قد تبدو محيرة للبعض. ألا إن وراء هذه الموجات العاطفية أسباب متعددة ومعقدة تستحق الفهم والتوضيح.
خلال المرحلتين الثانوية والإعدادية، يواجه المراهقون القلق الاجتماعي، ومشاكل في تقدير الذات، ومشاكل في صورة الذات، والتوتر، وإدارة الوقت، والواجبات الدراسية. علاوة على ذلك، يواجه المراهقون صراعات وضغوطًا إضافية مصاحبة للعيش في عصر وسائل التواصل الاجتماعي، والأوبئة العالمية، وانهيار المناخ. وسنناقش في المقالة أسباب التقلبات المزاجية عند المراهقين وكيفية التعامل معها.
ما هي الأسباب الكامنة وراء التقلبات المزاجية عند المراهقين:
تتضمن التقلبات المزاجية عند المراهقين عدة عوامل بيولوجية، نفسية، واجتماعية وتتمثل في التالي:
- التغيرات الهرمونية: تعد التغيرات الهرمونية هي المحرك الأساسي لكثير من التقلبات المزاجية عند المراهقين في فترة المراهقة. خلال فترة البلوغ، تزداد مستويات الهرمونات الجنسية مثل الإستروجين و التستوستيرون بشكل كبير. هذه الهرمونات لا تؤثر فقط على النمو الجسدي، بل تتفاعل أيضاً مع المواد الكيميائية العصبية في الدماغ (الناقلات العصبية) التي تتحكم في المشاعر والسلوك. هذا التفاعل يمكن أن يؤدي إلى ردود فعل عاطفية أكثر حدة وسرعة، حيث يمكن للمراهق أن ينتقل من قمة السعادة إلى أقصى درجات الانزعاج في فترة قصيرة.
- التطور المستمر في الدماغ: خلافاً للاعتقاد الشائع، فإن دماغ المراهق ليس مكتملاً بعد. حيث يعد الجزء الأمامي من الدماغ، المعروف بـ (قشرة الفص الجبهي)، المسؤول عن التفكير العقلاني، اتخاذ القرارات، التحكم في الاندفاع، وتنظيم العواطف، لا يزال في مرحلة التطور حتى منتصف العشرينات. هذا النضج غير المكتمل يعني أن المراهقين قد يجدون صعوبة في إدارة ردود أفعالهم العاطفية، مما يجعلهم أكثر عرضة للاندفاعية، والتهيج، وتقلبات المزاج السريعة.
- الضغوط النفسية والاجتماعية المتزايدة: تعد الضغوط النفسية والاجتماعية هي عامل آخر يواجه المراهقون، مثل:
- الضغط الدراسي: الامتحانات، الواجبات، والتوقعات العالية من الأهل والمدرسين.
- الضغط الاجتماعي: الرغبة في الانتماء، والخوف من الرفض، والبحث عن القبول بين الأقران، وتأثير وسائل التواصل الاجتماعي.
- تكوين الهوية: البحث عن الذات وتحديد الهوية الشخصية والقيم، مما قد يولد شعوراً بالارتباك والقلق.
- العلاقات العاطفية: تجارب العلاقات العاطفية الأولى وما يصاحبها من مشاعر قوية. هذه الضغوط يمكن أن تسبب مستويات عالية من التوتر والقلق، مما ينعكس على حالتهم المزاجية.
- نقص النوم وسوء التغذية: غالباً ما يعاني المراهقون من أنماط نوم غير منتظمة أو نقص النوم بسبب التغيرات البيولوجية في الساعة البيولوجية، بالإضافة إلى الواجبات المدرسية، والأنشطة الاخرى، والاستخدام المفرط للأجهزة الإلكترونية. قلة النوم تؤثر سلباً على تنظيم المزاج والقدرة على التعامل مع التوتر، مما يزيد من حدة التقلبات المزاجية والتهيج. كذلك، يمكن أن يؤثر سوء التغذية أو اتباع أنظمة غذائية غير صحية على مستويات الطاقة والمزاج.
- أحداث الحياة وتحدياتها: أحداث الحياة الكبرى مثل انتقال الأسرة، تغيير المدرسة، مشاكل عائلية، أو فقدان شخص عزيز، يمكن أن تكون مرهقة جداً للمراهق وتزيد من التقلبات المزاجية عند المراهقين. كما أن التعرض المستمر للتنمر أو المشاكل الشخصية أيضاً تترك أثراً عميقاً على الصحة النفسية للمراهقين.
هل يمكن أن تسبب التقلبات المزاجية عند المراهقين أمراض عقلية؟
تعتبر التقلبات المزاجية عند المراهقين جزءًا طبيعيًا من التطور والتغيير البشري، ولكن إذا كان المراهق يعاني من تغيرات كبيرة في مزاجه أو عواطفه طوال اليوم، فقد يكون هذا علامة تحذيرية لتطور مرض عقلي. المراهقون الذين يعانون من أعراض سلوكية سلبية غير معتادة تستمر لأكثر من أسبوعين، أو إذا كانت مزاجهم وعواطفهم متقلبة للغاية لدرجة أنهم غير قادرين على العمل، فقد يكون لديهم مشكلة تحتاج إلى معالجتها من قبل مقدم الرعاية الصحية. يمكن للاكتئاب أو القلق أو أي مرض نفسي أو اضطراب مزاجي آخر أن يُحدث تأثيرًا مُدمرًا على طفلك خلال هذه المرحلة التكوينية من عمره.
تؤثر الأمراض النفسية على طريقة تفكير المراهق ومشاعره وسلوكه، ومن ضمن هذه الأمراض النفسية ما يلي:
-
الإكتئاب
قد يشعر المراهق بحزن شديد أو فراغ لفترات طويلة، مع انخفاض في الحالة المزاجية معظم أيام الأسبوع. كما قد يُظهر انفعالًا أو يبدو منعزلاً عن الحياة اليومية.
2. اضطرابات القلق
قد يكون المراهق منشغلاً بالقلق والخوف، ويشعر بالارتعاش أو التوتر طوال اليوم، وغير قادر على النوم جيدًا في الليل، ويواجه صعوبة في التركيز.
3. الاضطراب ثنائي القطب
قد يعاني المراهق من تقلبات مزاجية حادة، تتراوح بين النشوة والحزن الشديد. غالبًا ما يعاني الأطفال والمراهقون المصابون بالاضطراب ثنائي القطب من نوبات هوس، وهي فترة من ارتفاع المزاج بشكل غير طبيعي، تليها فترة اكتئاب، وهي فترة من انخفاض المزاج بشكل غير طبيعي.
تعتمد إصابة المراهق بمرض عقلي أم لا على مدة السلوكيات المرضية، بحيث إذا استمرت تقلبات المزاج لأيام أو أسابيع دون أن تنتهي أبدا فقد حان الوقت لطلب المساعدة من المتخصصين.
متى نقلق من التقلبات المزاجية عند المراهقين؟
على الرغم من أن التقلبات المزاجية عند المراهقين تعتبر طبيعية في فترة المراهقة، إلا أن هناك علامات تحذيرية قد تشير إلى وجود مشكلة أعمق تتطلب التدخل:
- التقلبات المزاجية شديدة جداً أو تستمر لفترات طويلة.
- تأثير التقلبات المزاجية على الأداء الأكاديمي أو العلاقات الاجتماعية.
- وجود أعراض مثل الانسحاب الاجتماعي، فقدان الاهتمام بالأنشطة، تغيرات كبيرة في الشهية أو النوم، أو أفكار عن إيذاء النفس.
- الشعور باليأس أو الحزن الشديد والمستمر.
متى يحتاج المراهق إلى طبيب نفسي؟
يتطلب استشارة طبيب نفسي متخصص في صحة المراهق عدة مؤشرات، منها:
- ظهور مشاكل في النمو النفسي أو السلوكي للمراهق.
- تغيرات مفاجئة وغير مبررة في حالته النفسية أو ظهور أعراض جديدة مؤخراً.
- التعرض لحدث حياتي قاسٍ أو صادم، كزلزال، وفاة أحد الأقارب، الإصابة بمرض خطير، أو طلاق الوالدين، حيث قد يحتاج المراهق إلى دعم نفسي متخصص للتعافي.
- الحاجة إلى تقييم مدى تكيف المراهق مع البيئة المدرسية أو مساعدته في التغلب على التحديات الأكاديمية أو الاجتماعية.
- الرغبة في تقييم النمو النفسي الطبيعي للمراهق في مختلف الفئات العمرية لضمان تطوره الصحي.
ما هي أصعب مرحلة في سن المراهقة؟
تبرز منتصف فترة المراهقة كواحدة من أصعب المراحل، حيث تتزامن فيها تغيرات جسمية ونفسية متسارعة. ففي هذه الفترة، يميل الفتيان إلى الانخراط بشكل مكثف في الأنشطة الرياضية، بينما قد تواجه العديد من الفتيات اضطرابات في الأكل. وعلى الصعيد الفكري، يكتسب المراهقون إدراكاً حاداً للواقع، مما يدفعهم للتعامل بازدراء مع كل ما هو غير ملموس أو غير حقيقي، وينظرون إلى التقاليد وكل ما هو قديم على أنه لا يمت للضرورة بصلة.
في الختام
التقلبات المزاجية عند المراهقين جزء لا يتجزأ من رحلة المراهقة نحو النضج. بفهمنا لأسبابها البيولوجية والنفسية والاجتماعية، يمكننا أن نقدم الدعم اللازم للمراهقين، ونساعدهم على تجاوز هذه المرحلة بنجاح، وتحويل عواصفهم الداخلية إلى فرص للنمو والتعلم.
المصادر